الاثنين، 19 أغسطس 2013

نشوء وتطور الدولاب الفخاري في العراق القديم

نشوء وتطور الدولاب الفخاري في العراق القديم












عن موقع الدكتور بهنام ابو الصوف: http://www.abualsoof.com/index.asp
 
 
تساءل هنري فرانكفورت في دراسة قيمة بحث فيها أقدم فخاريات الشرق الأدنى القديم عن المواطن الذي نشأ فيه دولاب الفخاري. وهل حدث نشوؤه في موضع واحد ثم انتشر منه إلى بقاع اخرى؟ أم أنه حصل في أماكن مختلفة وفي آن واحد؟
من المتفق عليه الآن أن دولاب الفخاري قد عرف لأول مرة في مكان ما من الشرق الأدنى في أواخر الألف الرابع قبل الميلاد. ومن الشائع أيضاً أن هذه الإله المهمة في صناعة الفخار وتطوره وانتشاره كانت من مبتكرات عصر الوركاء وهذان الرأيان، وإن كانا لا يخلوان من الحقيقة، إلا أن فيهما شيئاً من الإبهام والتعميم.
إن جميع القرائن المتوفرة في الوقت الحاضر تدل على أن منشأ دولاب الفخاري كانت في بلاد الرافدين. وأن تلك النشأة لم تحدث فجأة في عصر الوركاء كما كان سائداً، بل جاءت بخطوات بطيئة على عدة مراحل، كما هي الحال تماماً في أي ابتكار واختراع آخر قبل أن يصل مرحلة النضج النهائي، اجتازتها تلك الآلة في عصور سبقت عصر الوركاء حيث وضعت أسس الاختراع الأولى التي قادت إلى اكتمال تطورها في مستهل ذلك العصر. تؤكد ذلك شواهد أثرية جاءتنا من مواقع عديدة من بلاد الرافدين. ولعل من المفيد قبل الخوض في هذه الشواهد التعريف بتلك المراحل التي اجتازتها الآلة قبل بلوغها إلى ما صارت عليه في مطلع عصر الوركاء.
المرحلة الأولى:
 وفيها اتخذ الفخاري مسنداً خشبياً قرصي الشكل في الغالب يضع عادة على الأرض والصانع يحركه بحرية إلى جميع الجهات، ومن فوقه كتلة الطين.والمفروض أن الفخاري كان قبل استعماله هذا المسند الخشبي يضع كتلة الطين على الأرض مباشرة ثم يبدأ بعمل الطرف المواجه له .وعند الانتهاء منه ينتقل بجلسته إلى الطرف المعاكس لتشكيل النصف الآخر وهكذا ومن الواضح أن هناك خطراً على الأناء فيما إذا حُرك وهو في حالة رطبة وشديدة الالتصاق بالأرض. وباستخدام القرص الخشبي صار بامكان الفخاري البقاء جالساً في محل واحد وتحريك المسند ومن فوقه الإناء إلى جميع الجهات بدون تعريضه للتشويه.وهذه المرحلة في الواقع لا تختلف كثيراً عن استخدام اليد وليس لها أي نتائج مرئية على شكل الإناء أو مظهره. إلا أنها عدا كونها تسهيلاً لعمل الفخاري نفسه، فأنا تُعد خطوة أولى قادت إلى مراحل عقبتها.ولعل العراقيين القدامى عرفوا استعمال هذا المسند قبل عصر العبيد بزمن طويل. ومن الجدير ذكره في هذا الصدد ان فخاري جزر قبرص وكريت وصقلية ما زالوا يستعملون هذا المسند الخشبي في تشكيل أوانيهم الفخارية حتى اليوم.
المرحلة الثانية:
 في هذه المرحلة ثبت القرص الخشبي على محور (Pivot) مما سهل تدويره بسرعة كما يدور المغزل، مما أدى إلى تمركز كتلة الطين المراد تحويرها إلى إناء، وأصبح الفخار الآن في حاجة إلى مساعدة لتحريك القرص بحيث يتفرغ هو بكلتا يديه للعمل في الأناء.(الآلة تعرف في هذه المرحلة بالدولاب البطيء)(Tournetette)  وقد عُرفت في النصف الثاني من عصر العبيد. فقد جاءتنا من مواقع مختلفة من جنوبي العراق فخاريات من هذه الفترة مصنوعة على هذا الدولاب. ففخاريات عصر العبيد التي كشف عنها في الطبقات الأربع السفلى( من الطبقة 18 إلى نهاية الطبقة 15) في باطن حفرة الجس العميقة في الوركاء قد صنعت بهذا الدولاب. ومن المعتقد أن القسم السمح من هذه الفخاريات هي التي عملت على الدولاب البطيء بينما الفخاريات الأخرى الجيدة الدقيقة الصنع قد عُملت على الدولاب السريع. ولعله من المفيد الإشارة هنا إلى أن هذه الفخاريات قد وجدت جميعاً في طبقات لم تمتد إليها أيدي العابثين. وفي موقع ريدو الشرقيء قرب الوركاء عُثر على نماذج من فخاريات عصر العبيد عملت بواسطة الدولاب البطيء، كما وجد ما يشابهها في موقع حاج محمد في جوار الوركاء أيضاً. وفي موقع تل العبيد نفسه عثر على فخاريات لعلها من عصر العبيد أعتمد في صنعها الدولاب البيطيء، أما فخاريات عصر العبيد في أريدو(أبو شهرين) فليس فيها ما يدل على استعمال الدولاب السريع ولكن هناك أمثلة عديدة في النصف الثاني من ذلك العصر عملت كلها بواسطة الدولاب البطيء. كما أن جميع فخاريات عصر العبيد في موقع العقير صنعت على الدولاب البطيء أيضاً.
وهكذا نجد أن الفخار في عصر العبيد لم يكن كله معمولاً باليد. بل أن الدولاب البطيء(وربما السريع احياناً) قد عُرف واستخدام في أماكن عديدة من جنوبي العراق لعمل أصناف كثيرة من فخاريات النصف الثاني من ذلك العصر.
وإن كانت الشواهد على معرفة تلك الألة غير وفيرة من الشمال في ذلك العصر، إلا أن هناك دليلاً بارزاً يشير إلى استخدام دولاب العربة في تلك المنطقة منذ ذلك الزمن أو قبل ذلك بقليل. فقد جاءنا من الطبقة الثالثة عشرة من موقع تيه كوره أقدم نموذج معروف لدولاب عربة كبيرة الحجم من الطين. كما جاءتنا كسرة فخارية من موقع الاربجية جوار الموصل عليها بالألوان رسم لدولاب عربة من عصر حلف، وإذا ما علمنا بأن دولاب الفخاري هو في الحقيقة تقليد لعمل دولاب العربة تبين لنا بالتالي أن المعرفة بهذه الآلة ليست وليدة عصر الوركاء بل هي من مبتكرات عصر العبيد أو قبله بقليل، وان شمال بلاد الرافدين قد عرفت استخدام هذه الآلة منذ تلك الأزمان أيضاً.
المرحلة الثالثة:
 اكتمل تطور دولاب الفخاري في هذه المرحلة وتحررت يدا العامل نهائياً حيث أخذ يحرك الدولاب بقدمه بدلاً من يده. وصارت هذه الآلة تدعى الآن بالدولاب السريع(Fast-Wheel) وأحياناً بالدولاب الطيار(Fly-Wheel) أو دولاب الفخاري الحقيقي (True Potters wheel) وبهذا نرى أن قدماء العراقيين قد ابتكروا آلتهم هذه وطوروها في النصف الثاني من عصر العبيد حيث تكاملت وظهرت في اوجها في مستهل دور الوركاء حين اخذوا يكثرون من صنع فخارياتهم بواسطتها. وقد أثر استعمال الدولاب السريع في شكل الآنية كثيراً، وهذه ضرورة أملتها طبيعة بناء تلك الأواني على هذه الآلة. وهذا واضح في أشكال فخاريات عصر الوركاء بأنواعها الثلاثة الحمراء والرمادية والأخرى الخالية من الاصباغ، ونشاهد هذا التطور واضحاً في مدينة الوركاء بالذات حيث ينعكس ذلك في طبقاتها غير المشوشة، في حفرة الجس، حين تبدأ فخاريات عصر الوركاء بالظهور في الطبقة الخامسة عشرة ثم تكثر في الطبقة الرابعة عشرة التالية فما فوق. وهذهن الفخاريات كما هو معروف معمولة على الدولاب السريع بينما الأخرى في الطبقات الأسفل والتي هي من عصر العبيد عملت على الدولاب البطيء وهذا كله خليق بأن يجعل من مدينة الوركاء الموطن النموذجي لنشأة دولاب الفخاري وتطوره في عصر العبيد واكتماله في أوائل عصر الوركاء. وبتوصلنا إلى هذه النتيجة يجب أن لا ننسى بأن هناك إلى الشرقي من الوركاء، في بعض مواطن الفخار القديم في إيران، قرائن تضارع في القدم مثيلاتها في العراق.ففي موقع السوس(susse) عثر في أعالي طبقتها الأولى على فخاريات معمولة بالدولاب البطيء، وكذلك في باكون (Bakun).
كما أن فخاريات سيالك في طبقتها الثالثة (Sialk III6- 7) قد عملت أيضاً على هذا الدولاب. وهذه الفخاريات كلها تعود إلى أواخر عصر العبيد ومطلع عصر الوركاء.
ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن هنالك تأثيراً إيرانياً في الأمر، لأن أقدم دولاب عربة كما رأينا قد عرف في العراق، كما أن تأثير فخاريات عصر العبيد العراقية على مثيلاتها الإيرانية لا ينكره باحث، وقد تكون معرفة الإيرانيين بدولاب الفخاري جاءتهم من جنوبي العراق عن طريق السوس ثم إلى غيرها من مواطن الحضارة الإيرانية القديمة في عيلام.

واستنادا إلى المخططات المكتشفة في الألواح الطينية القديمة فإن أول استعمال للعجلة في وسائظ النقل كان في أكثر الاحتمالات في عربات في بلاد ما بين النهرين سنة 3200 ق م.



منقول عن
http://www.abualsoof.com/
.