الأحد، 18 أغسطس 2013

الشرائع القانونية القديمة



                     الشرائع القانونية القديمة 


عن موقع الدكتور بهنام ابو الصوف: http://www.abualsoof.com/index.asp



في مطلع الألف الثالث قبل الميلاد، على أيام دول المدن السومرية في بلاد الرافدين، وضع العراقيون الأوائل أسس الكثير من المعارف والفنون والآداب كما وضعوا أسس أقدم أنظمة الحكم والسياسة والقضاء المعمول بها الآن. وفي مدن سومر ظهرت ولأول مرة في التاريخ، حدود الملكية الشخصية ووضحت العلاقات الاقتصادية بين الفرد والدولة وبين الأفراد أنفسهم كما برزت تشابكات العلاقات الاجتماعية بابعادها المختلفة، وقد اقتضى هذا كله البدء بإرساء قواعد لإصلاحات اجتماعية واقتصادية في وقت مبكر من منتصف الألف الثالث قبل الميلاد.
كانت هي النواة الأولى للتشريعات القانونية في حياة البشر والتي انبثقت بهيئة قانون متكامل في الربع الأخير من الألف الثالث قبل الميلاد، وضعها العاهل السومري اور- نمو مؤسس سلالة أور الثالثة السومرية (2113-2006 قبل الميلاد) وقد اكتملت التشريعات العراقية القديمة وبأوضح مظاهرها القانونية في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد في الشريعة الشهيرة للعاهل البابلي العظيم حمورابي(1792-1750 قبل الميلاد) التي ضمت 282 مادة قانونية غطت الكثير من أوجه النشاط الاجتماعي والاقتصادي والمهني والعسكري في المجتمع البابلي الموحد.
تُعد إصلاحات العاهل السومري اورو- كاجينا(2350-2353 قبل الميلاد) حاكم دولة مدينة لكش أقدم اصلاحات اجتماعية  واقتصادية معروفة في التاريخ وقد عُثر على أربع نسخ من هذه الإصلاحات مدونة على رقم الطين باللغة السومرية وبالخط المسماري. ومن أبرز ما جاء فيها تحريمه على المرأة من اتخاذ أكثر من زوج واحد. وفرض عقوبة الموت على من تخالف ذلك. كما منع الأغنياء والكهنة والمرابين من استغلال الفقراء،ومنع الكهنة من تقاضي ضريبة على مراسيم دفن الموتى. وكلمة الحرية(أمارتو باللغة السومرية) ترد لأول مرة في التاريخ في وثيقة إصلاحات هذا العاهل السومري الإنساني.
تعقب إصلاحات أورو- كاجينا في الزمن مجموعة قوانين آور- نمو المدونة باللغة السومرية أيضاً والتي تتألف من 31 مادة قانونية تعالج عدداً من المسائل الاجتماعية والاقتصادية، واكتفى المشرع أور- نمو بفرض غرامة على المدان بأية جريمة بدلاً من العقوبة البدنية.
ومن مطلع الألف الثاني قبل الميلاد وصلتنا مجموعة ثالثة من القوانين باللغة السومرية، وتنسب إلى الملك الخامس من سلالة ايسن الآمورية (العهد البابلي القديم) لبت- عشتار(1934-1924 قبل الميلاد) وقد دونت على أربعة رقم من الطين بالخط المسماري ولقانون لبت- عشتار مقدمة قريبة الشبه بالمقدمة التي تفتتح بها شريعة حمورابي، يشير فيها واضعها إلى أن الإلهين أنو(إله السماء) وإنليل(إله العواصف والهواء) هما اللذان أجلساه على العرش. وتضم الشريعة 37 مادة قانونية تعالج عدداً من القضايا الاقتصادية وشؤون الأسرة والرقيق.
ومن أقدم القوانين المدونة باللغة الأكدية المكتشفة حتى الآن ما يُعرف بشريعة اشنوتا، والمكتشف أجزاء منها في موقع تل حرمل (مدينة شادويم البابلية) في بغداد الجديدة، إنها تسبق شريعة حمورابي بنحو قرنين. ويتضمن المتبقي من شريعة أشنونا على مقدمة و61 مادة قانونية عالجت جوانب من الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وواضع هذه الشريعة هو الملك بلالاما(1992 قبل الميلاد) احد ملوك دولة اشنونا البارزين، ودولة اشنونا هي إحدى الممالك الآمورية الست التي قامت في بلاد  الرافدين في أعقاب انهيار سلالة أور الثالثة في نحو سنة (2006 قبل الميلاد).
اشتهر العاهل البابلي حمورابي(1792-1750 قبل الميلاد) باعمال جليلة بارزة في ميدان الإدارة والسياسة والتنظيم والثقافة والتعليم. وتأتي في مقدمة هذه الأعمال جمعه وتوحيده للقوانين واصدار شريعة شاملة عالج فيها مختلف انشطة المجتمع البابلي في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد. ودونت الشريعة باللغة البابلية وبالخط المسماري على مسلة من حجر الدايورايت الأسود بارتفاع مترين وقد أقام حمورابي أكثر من نسخة من هذه المسلة في أمهات مدن بلاد الرافدين كبابل وسبار وربما نفر وأور وغيرها. وتتألف الشريعة من282 مادة قانونية تعد المصدر التاريخي الأول للعديد من القوانين الوضعية القديمة. ويفتتح حمورابي شريعته بمقدمة طويلة بيدأها بما دفعه إلى وضع هذه الشريعة، ثم ينتقل إلى تمجيد الآلهة التي طلبت إليه وضعها واختارته لنشر العدل في البلاد:
أنا حمورابي الراعي الصالح الورع
الملك القدير الذي ينشر سلطانه على الجهات الأربع
الذي يبهج قلب مردوخ إلهه.
أنا الملك المتأمل المطيع للإله شمس العظيم
أناحمواربي محبوب الإلهة عشتار
عندما أرسلني الإله مردوخ لقيادة سكان البلاد
في الطريق السوي ولإدارة البلاد
وضعت القانون ودستور العدالة
بلسان البلاد لتحقيق الخير للنالس...
وختم حمورابي شريعته بمجموعة من الأقوال بدأها أيضاً بمتجيد عهده وأنهاها بالدعاء على من يخرب أو يحرف هذه المسلة وانزال لعنات الآلهة عليه
أنا حمورابي الملك الكامل...
بالسلاح الفتاك الذي وهبني إياه
الإله زبابا والإلهة عشتار
وبالرأي الذي هداني إليه الإله أنكي
وبالقدرة التي منحني إياه الإله مردوخ
إستأصلت ُ دابر العدو من الشمال إلى الجنوب
وأنهيت الحرب وأرحت البلاد
وجعلت سكان المدن ينعمون بالصفاء والهناء
....وإذا لم يتدبر ذلك الشخص كلماتي التي كتبتها على مسلتي
وتجاهل لعناتي ولم يخشَ لعنات الإلهة
ومحا القوانين التي شرعتها
وأبطل أحكامي وغير شرائعي
ومحا أسمي المكتوب وكتب إسمه
عسى الإله انليل أبو الإلهة الذي دعاني إلى الحكم
أن يجرّد ذلك الشخص ملكاً كان أو أميراً أو حاكماً
من أبهة الملك ويحطم صولجاته ويلعن طالعه
واختفاء اسمه وذكراه من البلاد
عسى أن تجعل الآلهة جيشه كومة من الجثث فوق السهل.
هذا وقد عالجت شريعة حمورابي في موادها الـ 282 مختلف شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والمهنية.
فقد اختصت المواد 1-5 بالقضاء والشهود والمواد 6-25 بالسرقة والنهب، والمواد 26-41 بشؤون الجيش والخدمة العسكرية والمواد 42-100 بالحقول والبساتين والبيت، والمواد 101-107 بالتعامل مع السوق ودكاكين التجار، والمواد 112-126 بالبيع، والمواد 127-195 بشؤون العائلة وحقوقها وعلاقات أفرادها فيما بينهم، والمواد 196-227 بعقوبات التعويض وغرامات نقض الاتفاقات والعهود والتعهدات، والمواد 228-240 بأجور الحيوانات والأشخاص وأخيراً المواد 278-283 بتعيين حدود الرق وحقوق العبيد وواجباتهم.
في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، كان الآشوريين جالية آشورية تجارية كبيرة تقيم في منطقة كبادوكية من آسيا الصغرى تتعامل بأمور البيع والشراء والاستيراد والتصدير من بلاد آشور (الوطن الأم) وقد كان لهذه الجالية الكثير من الحرية في التعامل التجاري والحركة كما كان لها بعض الحقوق والاصطلاحات القانونية والقضائية. وهذا يتضج من العبارة التالية التي جاءت في الوثائق القانونية لهذه الجالية؛ لقد حسم الكاروم قضية قضائية.
إن اسم الجالية الآشورية باللغة الآشورية كان الكاروم. لقد عثر في مخازن هذه الجالية على عدد من الرقم الطينية مدوَّنة بالخط المسماري واللغة الآشورية أطلق عليها اسم وثائق كبادوكية، واقتصرت على قوانين تنظيم العقود والتجارة ومعاملات البيع والشراء، ويعود زمن هذه الوثائق القانونية الآشورية في آسيا الصغرى إلى منتصف إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.
اكتشفت بعثة التنقيب الألمانية، التي نقبت في مدينة آشور (قلعة الشرقاط) في السنوات 1903-1914 تسعة رقم من الطين مدوَّنة بالخط المسماري واللغة الآشورية تضمُّ مواد قانونية يرجع تاريخها إلى الربع الأخير من الألف الثاني قبل الميلاد. وتُعدّ هذه القوانين المكتشفة في مدينة آشور أبرز وثيقة تاريخية قانونية اكتشفت بعد شريعة حمورابي، وإبرزها ما حوته من موضوعات يتناول شؤون الزواج وحق الملكية وعقود الرهن والجرائم.والرقيم  الأول من هذه الرقم التسعة يضم ستين مادة اختصت بشؤون النساء والجرائم الواقعة عليهن أو منهن.
وأخيراً جاءنا من العهد البابلي الحديث (الكلدي) رقيم طيني ضم خمس عشرة مادة قانونية تعالج غالبيتها مسائل تختص بالحقول وإدارتها وشؤون الأرواء والرقيق والنساء وقضايا الزواج والطلاق والإرث